-A +A
كاظم الشبيب
في غمرة الصراعات الداخلية، كما هو في الكونغو وفلسطين والعراق وأفغانستان، قد لا يلتفت المتصارعون إلى النهايات المتوقعة لصراعاتهم. وكلما انغمسوا في معاركهم على الهوية الطائفية والقومية والفئوية تناسوا الخيارات المتاحة للمعالجات الاستراتيجية. ومن تلك الخيارات التصدي للمشكلة الطائفية في المجتمعات المتعددة التنوع، كمقدمة للمخرج من تبعاتها، أو للبحث عن مخارج بديلة: أما أن تبقى المجتمعات، المتعددة الطوائف والمتنوعة القوميات والثقافات، رهينة التوجه الأحادي فكرياً وثقافياً بسلوك سياسي يعود للعصور الحجرية في طريق زاخر بحقول من ألغام بشرية متطلباتها لا تتوقف إذا ما استجيب لها. أو تعود المجتمعات إلى أصولها الفطرية القائمة على قاعدة التراحم الإنساني في طريق طويل مليء برضا الرب والنفس والمجتمع ، بحيث تترجمه على مسارات التعاطي مع ذاتها ومحيطها، مبعثها في هذا النهج إيمانها بتلك القاعدة كروح وفكر يؤسسان للسلوك اليومي في الحياة والسياسة.
المشكلة القائمة، التي تهيئ النفوس كي تقبل أن تمارس هي ذاتها السلوك الطائفي السلبي، تكمن في الانحراف عن جادة أصول الفكر الأم للدين أو المذهب! لأن تلك الأصول لا تدعو المنتسبين إليها إلا للجهوزية والنقاء لتلقي فيض الرحمة العليا النازلة من السماء إلى الأرض. من جهة أخرى تدعو تلك الأصول المنتمين لصفوفها لترجمة تلك الرحمة الملقاة عليهم في تعاملهم مع البشرية جمعاء دون تمييز للون أو فكر، بل على أساس الرحمة والعدل والمساواة والإنصاف.
الواقع المر، الذي تعيشه المجتمعات المتخلفة المصبوغة بالتعددية والتنوع، يدفع الباحث للعودة المتأملة في مسيرة البشرية كي يستوحي منها أسباب تلك السقطات في براثن الممارسات السلبية للطائفية، فلا يجد منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى أدم عليه السلام حتى اليوم، مروراً بجميع الرسالات السماوية والحضارات الإنسانية المتعاقبة، سوى نداءات ربانية وإنسانية، ترمزت وتجسدت مصاديقها على الأرض في شخصيات الأنبياء والرسل والأئمة والصالحين كنماذج تمثل أصول الفكر الأم المتكامل مع الفطرة البشرية.
فما أعجب البشرية عندما تتلقى فيضاً إلهياً من الرحمة والعدل والإحسان فتتحول إلى بشرية متوحشة بما تتقمصه من أنانية مفرطة في تضخم الذات والعًجب بها تجاه غيرها. والأكثر عجباً استمراؤها لنفسها في الإيغال الحيواني في استغلال قوة الذات ونفوذها المعنوي والمادي ضد من لا يسايرها أويذوب فيها. يتبخر هذا الاندهاش كلما اقتربنا من بحث تلك التجارب البشرية، إذ نلحظ أن التدحرج نحو السقوط يبدأ غالباً عندما يبدأ المجتمع بالابتعاد عن التربية الأخلاقية في فهم الآخرين والتعاطي والتفاعل معهم.
بمعنى آخر، هو ابتعاد الذات عن أصلها الفطري الميال بطبعه للفضائل من الأخلاق وحب الخير لنفسه ولغيره عبر تربيتها أخلاقياً.
ليس المراد بالتربية الأخلاقية على صعيد الفرد حالة مثالية فقط، بل هي أكثر أهمية على صعيد المجتمع، بحيث يتشكل السلوك الجمعي الذي تكون فيه نفسية الفرد في الجمهور تابعة للعقل الجمعي الذي- قد- ينقل ويحول سلوك الأفراد إلى نوع متطرف... ذلك لما للمعتقدات العامة والقيم من دور في توجيه الحركات الاجتماعية في رحلة التغيير الاجتماعي.. والله من وراء القصد.
kshabib@hotmail.com


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة